الإنسان وتغيير الواقع: العلاقة بين النفس والكون في ضوء القرآن الكريم
كتب . يوسف أبو النجا
الإنسان كائن مؤثر ومتأثر، تتجلى في حياته قوانين وسنن إلهية تحكم سير الأمور وفق إرادته وسلوكه الداخلي. ومن أعظم هذه السنن قول الله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ” (الرعد: 11). هذه الآية الكريمة تلقي الضوء على الارتباط الوثيق بين الإنسان و واقعه، وتبين أن أي تغيير في الظروف الخارجية مرتبطٌ أولًا بتغيير داخلي في النفوس.
السنن الإلهية بين النفس والواقع:
الله سبحانه وتعالى جعل للكون سننًا ثابتة لا تتغير ولا تتبدل، ومن بينها قانون السبب والنتيجة، حيث يرتبط أي تغيير في حياة الإنسان أو المجتمع بحالة داخلية تسبقه. فإذا أراد الإنسان التقدم، وجب عليه تغيير أفكاره، ومعتقداته، وسلوكه، ومشاعره تجاه نفسه وتجاه الحياة.
يؤكد القرآن الكريم هذه الحقيقة في مواضع عدة، منها:
قانون العمل والجزاء:
يقول الله تعالى: “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً” (النحل: 97).
هذه الآية تدل على أن تغيير الحياة إلى الأفضل لا يتم إلا عبر العمل الصالح، وهذا بدوره يحتاج إلى تغيير داخلي في نوايا الإنسان وأفعاله.
الإيمان سبب التمكين:
يقول الله تعالى: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ” (النور: 55).
هذه الآية تربط بين الإيمان والعمل الصالح وبين التمكين في الأرض، مما يعني أن التحولات الكبرى لا تحدث عشوائيًا، بل بناءً على تغيرات داخلية في العقيدة والسلوك.
الهلاك بسبب الفساد الداخلي:
يقول الله تعالى: “ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ” (الأنفال: 53).
هذه الآية تدل على أن النعم تزول بسبب الانحراف عن الطريق المستقيم، أي أن فساد القلوب والعقول يسبق زوال النعم ووقوع العقوبات.
كيف يؤثر التغيير الداخلي على الواقع؟
التغيير لا يبدأ من الخارج بل من الداخل، أي من الأفكار والمشاعر والقرارات التي يتخذها الإنسان. عندما يغير الإنسان طريقته في التفكير، تتحسن رؤيته للحياة، وعندما ينقي قلبه من الحقد والكره، يبدأ في رؤية الخير من حوله، وحين يتبنى قيم الإحسان والعدل، يصبح جزءًا من عملية الإصلاح في المجتمع.
مثال ذلك:
شخص يعاني من الفقر لكنه يقرر تغيير نظرته للعمل والاجتهاد، فيبدأ بالسعي والتعلم، ثم تتغير ظروفه الاقتصادية تدريجيًا.
مجتمع يعاني من الظلم والفساد لكنه يقرر أن يبدأ بتغيير ثقافته وأخلاقه، فيتبدل حاله نحو الأفضل عبر العدل والعمل الجماعي.
الإنسان والطاقة الكونية:
يرى بعض العلماء أن هناك انسجامًا بين حالة الإنسان الداخلية وما ينعكس عليه من الكون. فالأفكار الإيجابية تجذب الخير، والسلبية تجلب العثرات. وهذا المعنى قريب من قوله تعالى: “وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ” (النجم: 39)، أي أن جهد الإنسان هو الذي يحدد نصيبه من الحياة، وليس مجرد الحظوظ العشوائية
اختم كلامي فأقول:
الآيات القرآنية تؤكد أن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، وأن الإنسان قادر على تحسين حياته إذا غير نفسه وأفعاله. فإذا أردنا مستقبلًا أفضل، علينا أن نبدأ بتغيير أنفسنا أولًا، لأن الكون يستجيب لحالة الإنسان النفسية والفكرية، وفق القوانين الإلهية التي تحكمه.