آخر الأخبار

الخطر القادم على الإنسانية

كتب: شيرين سالم

في زمنٍ ليس ببعيد، كانت العلاقات الإنسانية تشكّل الركيزة الأساسية لحياتنا اليومية. كنا نجد الدفء في زيارة الجيران، والطمأنينة في جلسة عائلية، والسند في كلمة صديق صادق. اليوم، ومع تسارع إيقاع الحياة، وسيطرة التكنولوجيا على تفاصيلنا، باتت هذه الروابط في تراجع ملحوظ، حتى أصبح السؤال المطروح: أين ذهبت إنسانيتنا؟

لم تعد اللقاءات  وجهاً لوجه أولوية، وحلّت مكانها رسائل سريعة لا تحمل حرارة المشاعر، ولا صدق التواصل. كثرة الانشغال، وضغوط العمل، والسعي وراء الماديات، جعلت الإنسان أكثر انعزالًا، وأضعفت من قدرته على بناء روابط حقيقية. صرنا نمتلك مئات “الأصدقاء” على شاشات الهواتف، بينما نفتقد صديقًا واحدًا يشاركنا لحظات الفرح والحزن.

غياب هذه العلاقات يترك أثرًا عميقًا في النفس. فالوحدة باتت مرض العصر، والعزلة صارت واقعًا يعيشه كثيرون رغم ضجيج المدن. ولعلّ أخطر ما نواجهه اليوم هو تفكك الروابط الأسرية، حيث تحوّلت البيوت إلى جدران صامتة يجتمع أهلها تحت سقف واحد لكن قلوبهم متباعدة.

ورغم هذا المشهد القاتم، فإن الأمل ما زال ممكنًا. استعادة العلاقات الإنسانية ليست أمرًا مستحيلاً، لكنها تحتاج إلى وعي وإرادة. علينا أن نعيد للزيارة قيمتها، وللحوار مكانته، وللاستماع متعته. التكنولوجيا يمكن أن تكون وسيلة للتقارب لا أداةً للتباعد، إذا أحسنّا استخدامها. كما أن الأنشطة الاجتماعية، والعمل التطوعي، والالتفاف حول قيم الرحمة والتكافل، يمكن أن يعيدوا للإنسانية بريقها المفقود.

إن العلاقات الإنسانية ليست ترفًا نلجأ إليه وقت الفراغ، بل هي ضرورة تعطي للحياة معناها الحقيقي. ولن نجد السعادة الحقيقية في رصيد مالي متضخم أو هاتف يزدحم بالإشعارات، بل في قلبٍ يشاركنا، ويدٍ تمتد إلينا، وكلمةٍ صادقة تُشعرنا أننا لسنا وحدنا.

فلنعُد إلى إنسانيتنا قبل أن نغرق في بحر العزلة، ولنعِ أنّ أجمل ما في هذه الحياة هو أن نكون معًا.