من الخذلان تبدأ القوة
كتب: شيرين سالم
الخذلان شعور قاسٍ يطرق القلوب فيترك أثرًا عميقًا قد لا تُمحى آثاره بسهولة. هو تلك اللحظة التي نمد فيها أيدينا بثقة فنجدها معلّقة في الهواء، أو نمنح قلوبنا أمانًا فلا نلقى سوى فراغٍ وصمتٍ موجع.
ليس الخذلان فقط أن يتخلى عنك شخص كنت تنتظر منه الدعم، بل هو أن تكتشف أن من وثقت به لم يكن على قدر الأمانة. هو أن ترى الأبواب التي ظننتها مفتوحة تُغلق في وجهك دون سبب، وأن تشعر أنّ ما بنيته من علاقات لم يكن صلبًا كما اعتقدت.
ورغم قسوته، يعلّمنا الخذلان الكثير. فهو يفتح أعيننا على حقيقة الأشخاص من حولنا، ويُرغمنا أن نتعلم كيف نحمي قلوبنا ونضع لها حدودًا. هو مدرسة قاسية، لكنها تصنع منا أشخاصًا أقوى، وأشد وعيًا بمعنى الوفاء.
قد يجرحنا الخذلان، لكن لا يجب أن يحطمنا. فكل سقوط يحمل في داخله بذرة نهوض، وكل صدمة تقودنا إلى نضجٍ جديد. وربما يكون في النهاية رسالة من الله، لنلتفت إلى أن السند الحقيقي لا يكون إلا منه سبحانه، وأن من تعلق به لا يخذله أبدًا.
كيف نخرج من دائرة الخذلان؟
الخذلان ليس نهاية الطريق، بل محطة صعبة يمكن أن نتجاوزها إذا امتلكنا الإرادة. أول خطوة للخروج من هذه الحالة هي الاعتراف بالمشاعر، فلا عيب أن نشعر بالألم أو الحزن، لكن الأهم ألا نستسلم له.
ثانيًا، علينا أن ندرك أن قيمة الإنسان لا تُقاس بوفاء الآخرين له، بل بقدرته على الصمود والنهوض. عندما نحب أنفسنا ونمنحها التقدير الذي تستحقه، يصبح من الصعب أن يحطمنا خذلان الآخرين.
ثالثًا، التعلّق بالله هو الدواء الأصدق. فالله لا يترك عبدًا لجأ إليه، ومن يضع رجاءه في الخالق لا يخذله مخلوق.
وأخيرًا، علينا أن نعتبر الخذلان درسًا لا لعنة؛ درس يعلّمنا من نختار، ومن نمنحهم ثقتنا، وكيف نوزن القلوب بالعقول قبل أن نضعها في أيدٍ قد لا تصونها.